الفنان طه العامري ..عميد النضال الفني والوطني

ترفع الدورة الـ 15 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف باقات الاعتراف والتقدير للفنان الكبير عبد الرحمن بسطنحي المشهور باسم طه العامري (من مواليد 20 أوت 1927) ليتصدر واجهة الحدث المسرحي لهذا العام بصفته عميد الفنانين واسما فنيا متمرسا وعنوانا للنضال والالتزام بالوطن ومحبته.

عندما سئل طه العامري في إحدى حواراته المصورة عن الجزائر، قال إنها البلد الذي كان وما يزال يحقق انجازات بفضل رجاله سواء إبان الثورة التحريرية أو طيلة مسار البناء والتشييد. ويرى الفنان الملتزم بوطنيته الأصيلة أن الجزائر هي مكة الثوار والأحرار ومازالت تلعب دورها في مناصرة القضايا العادلة دون تردد وبكل شجاعة.

ذلك أن طه العامري (95 عاما) هو رجل مواقف، شخصية هادئة متميزة تراكمت في دواخلها مشاهد الحياة بكل صعوباتها وتحدياتها، ولامست أفكاره أفق الأمل وبزوغ شمس الحرية وهو يعتلي خشبة الفن الرابع للتعبير عن موقف الشعب الجزائري في مسألة الحرية والاستقلال.

وكلما عدنا إلى سجل ذكريات هذا الفنان، تبادرنا أولى الصفحات حيث سطرت البدايات خطوطها وفق ظروف التحاقه بمجال الفن والمسرح تحديدا، ولم يخف الفنان أبدا تأثره باللحظات الأولى التي اكتشف فيها هذا العالم وهو صغير (10 سنوات) يلج بوابة قاعة العرض رفقة والده لمشاهدة رشيد قسنطيني في إحدى مسرحياته. وكيف حفرت تلك التجربة في ذاكرته معابر مضيئة كانت هي نبراسه وما يزال يذكرها بتفاصيلها الدقيقة.

كان الاكتشاف كبيرا، وكان التأثر واضحا.. لحظة فارقة في حياة فنان بالفطرة ثم بالممارسة والخبرة والذي أثبت على مدار عقود، قدرته على تحمل مسؤولية التعبير الفني والالتزام برسالته اتجاه الإنسان والإنسانية.

لم يكن المسار الفني لطه العامري، بساطا مخمليا أحمرا دائما، رغم البريق الذي يتراءى لنا اليوم ونحن نقلب صفحات انجازاته، إلا أن النضال الوطني والشجاعة في مواجهة المستعمر الفرنسي جعلته ينضم إلى حزب الشعب الجزائري ثم إلى الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي رفعت سلاح الفن للتعريف بالقضية الجزائرية والسفر بها بعيدا عن الأسلاك الشائكة والمكهربة التي وضعها المستعمر الفرنسي للحد من حرية الجزائريين، وقد استطاعت هذه الفرقة الثائرة أن تقطع الحدود وتنقل صوت الجزائر إلى دول كثيرة بعيدة وقريبة.

مشواره بدأ سنة 1947 تنوعت فيها الأدوار والمهمات من عطيل إلى صلاح الدين الأيوبي إلى الخالدون، وقطف في سفره الفني والنضالي صداقات كثيرة أبرزها مع الراحل الدكتور بيار شولي ومصطفى كاتب وعبد الحليم رايس وأحمد وهبي وحسن الشافعي من تونس.

تفجرت موهبة العامري على المسارح والمنصات منذ الأربعينات فكان جزأ من الطريق الذي فتحه محي الدين بشطارزي ورشيد قسنطيني ومحمد توري وعلال المحب دون أن ننسى رفيق دربه حبيب رضا والشهيد مجيد رضا وسيدة المسرح الجزائري الفنانة كلثوم والفنان حسن الحسني.

شق قطار العامري طريقه نحو الأمام وبدد كل الصعاب، والتحق بعد الاستقلال بالمسرح الوطني الجزائري، ولمع اسمه في أعمال عديدة فوق الخشبة وفي التلفزيون بعدها في المسرح الإذاعي الذي أسس أولى فرقه باقتراح الأديب الراحل عبد الحميد بن هدوقة وبرئاسة حبيب رضا.

إن الحديث عن الفنان عبد الرحمن بسطنجي/طه العامري اليوم، هو حديث عن عقود من العمل الجاد والمستمر، وفي مواقع متنوعة ومناصب مسؤولية ( كان مديرا للمسرح الوطني من 1972 إلى 1974)، إذ يعد كتابا حيا وخزانا يافعا من الذكريات والمعلومات، ومثالا صادقا للأجيال الفنية المتعاقبة على الفنان المؤمن بنبل رسالته الفنية.

شارك المقال