مسرحيّة “أنغوما”: بين الرّغبة في التّغيير والقبول بالأمر الواقع

قدّمت جمعيّة النّسور للمسرح المحترف، من ولاية تندوف، مسرحيّة ” أنغوما”، يوم الخميس 18 مارس 2021، بمسرح بلديّة الجزائر الوسطى.

خلال خمسة وأربعين دقيقة، وبلغة عربيّة فصحى، تمثّلت اللّوحات الفنّيّة الثّمانية في حوار بين شخصين، واحد يرتدي معطفا، وهو واقف أمام جدار، يحمل مطّاريّة، والثّاني يجلس بالقرب من عمود إنارة، أمامه طاولة صغيرة فوقها ساعات وصقر مغمض العينين، وبجنبه درّاجة هوائيّة صغيرة، وخلفه باب غير مغلقة، تفصل بينهما طريق جسر.

انصبّ الحوار بينهما حول الماضي وروتين الحاضر والسّاعات إن كانت أصليّة أم لا، والمحبّة والصّداقة. وهو ما خلق بينهما علاقة شبيهة بجيران الشّارع، يسودها الاحترام والكلام اللّائق، والنّقاش الواقعيّ، على الرّغم من اختلاف وجهات النّظر، وتفاوت في الشّخصيّة بينهما، حيث الأوّل يريد أن يجتاز الطّريق إلى الجهة المقابلة لدخول الباب ليتمكّن من ذلك بعد أخذ وردّ وطول انتظار، أمّا الثّاني فيبدو راضيا بحاله أو أنّه لا يتحرّك من مكانه في انتظار شخص ما سيعود إليه.

استذكرت المسرحيّة المهاتما غاندي، ورواية مزرعة الحيوان لجورج أروال، ورواية 1984، لمّا اشتدّت حدّة النّقاش بين الشّخصيّتين، فيما ميّزتها الأجواء الحزينة بحديث الرّجل الجالس أمام ساعاته، عن ابنه الذي دخل الباب، ولم يعد. كما كان للجانب الميتافيزيقي حضور من خلال المارد الذي سكن شخصيّة الرّجل الواقف وحفّزه أكثر على العبور وتغيير واقعه.

المخرج ادريس بن حديد: أنغوما أسطورة لطائفة تأخذ الأطفال قربانا للشّياطين.

في ختام العرض المسرحيّ، أوضح المخرج دريس بن حديد، أنّ ” أنغوما” هي أسطورة لطائفة تأخذ الأطفال قربانا للشّياطين، وحسب نصّ المسرحيّة حاول الكاتب أن يسقط تلك الطّائفة على الحياة التي تأخذ الإنسان نفسه قربانا لكلّ شيء ولا شيء.كما تتمحور حول هواجس الإنسان بينه وبين ذاته، ومع الآخر، ومع المجتمع، البدايات والنّهايات، هواجس الفقر، الأمل، التّفاؤل، التّشاؤم، وغيرها من الأحاسيس والمشاعر التي تواكب الإنسان منذ طفولته إلى مماته وما بعد مماته.

وفي السّياق، أشار إلى أنّ الباب دلالة على الموت،والمجهول، والطريق الجسر تعني العبور نحو الأفضل أو الأسوأ،فيما السّاعات ترمز إلى الوقت والزّمن، والصّقر يعني التّحدّي.

واستطرد قائلا إنّ الشّخصيّة الأولى مبادرة تريد العبور إلى الأفضل، وتأمل في التّغيير وعدم قبول الأمر الواقع، أمّا الشّخصيّة الثّانية فهي خانعة قانعة، يعيش صاحبها في دوّامة من الذّكريات والآهات والآلام، مرتبط بالماضي، لا يرغب في التّحرّر منها.

ملمّحا إلى أنّ التّحضيرات لعرض المسرحيّة في المهرجان الوطنيّ للمسرح المحترف، استغرقت ثماني عشرة يوما، حيث كان مقرّرا عرض مسرحيّة ” فالصو”، لكنّ اعتذار ممثّلة من الشلف بسبب الظروف الصّـحّيّة لوالدتها، آل دون ذلك.

واعتبر ” أنغوما” ديودراما عبثيّة للكاتب محمّد كامل بن زيد من ولاية بسكرة. وفيما يخصّ اعتماده على عرض المسرحيّة باللّغة العربيّة الفصحى، عوض اللهجة العاميّة، فقد برّر المخرج ذلك بأنّ اللّغة تلقي بظلالها على الخشبة، وأنّ موضوعها يكون أكثر تأثيرا على المتلقّي باللّغة العربيّة، دون أن ينتقص ذلك من قيمتها لو عرضت بالعامّيّة. معتبرا أنّ العربيّة لغة قوميّة والمسرحيّة تعكس الواقع الذّي تعيشه شعوب الأمّة العربيّة، وهي تعالج موضوعا إنسانيّا مشتركا.

واختتم حديثه بالتّأكيد على أنّه مخرج عصاميّ، أخرج عديد المسرحيّات منها: المرأة اللّغز، الأرواح الطيّبة، وجع هاملت، الآهات الأخيرة، بقايا، ومسرحيّات أخرى موجّهة للأطفال منها ولا في الأحلام، الوردة الممتعة، السّندباد البحريّ، من إنتاج جمعيّات ثقافيّة والمسرح الجهويّ بتندوف.

بدأ الإخراج نهاية سنة 2009، بمسرحيّة ” ورقة حبّ منسيّة ” للكاتب القطريّ محمّد الرّميحي، أوّل مسرحيّة عبثيّة يخرجها، بينما كان اهتمامه سابقا منصبّا على المسرح الواقعيّ الخياليّ.

شارك في المسرحيّة مصطفى محمّد وسويد أحمد بهاها، تمثيلا، ونصيرة بودواية تقنيّة للصّوت، وبلّزغم الشّيخ تقنيّا للإنارة، وهي من إنتاج سنة 2021.

عبد الحكيم جبنون

شارك المقال