الحاج عباس لكارن لموقع المهرجان: اعتمدنا البساطة لتقديم الفرجة ونشر الفرح

علاقة الحاج عباس لكارن مع الفن الرابع علاقة أساسها الشغف والسعي لإدخال الفرح والبهجة في قلوب المتفرجين، فهو حامل لانشغالات أب الفنون منذ الصغر، كيف لا وهو الذي تربى وكبر في أجواء “طحطاحة” سيدي بلعباس بكلّ ما تحمله من زخم وخليط بشري جدير بالدراسة والتمعّن في تركيبته، ولم يثنه التقدّم في العمر عن تحقيق حلم تقديم الفرجة والسعي للحفاظ على التراث الشعبي الجزائري متمثلا في “الحلقة” و”القوال” مستعملا في ذلك خبرته وتصوره الخاص لمسرح الشارع، مثمنا تجارب الأخرين داعما لكلّ ما من شأنه الرقي بالفن ومنه الرقي بالإنسان. وفي هذا اللقاء مع “موقع المهرجان الوطني للمسرح المحترف، نقترب أكثر من تجربته محاولين رصد أطرها ومساعيها.

  • صمُّم عرض “آخر حلقة” لفرقة “الحلقة لسيدي بلعباس في 2006، لكنه لا زال يستقطب المتفرجين أينما حل وارتحل، وبقي صالحا لكلّ زمان ومكان، ما السر في ذلك؟

هذا العرض يتناول التراث الذي دائما ما يكون محلّ اهتمام المتلقي مهما كان مستواه ونوعه، وبالتالي يكون صالحا لكلّ مكان وزمان، والتراث الجزائري غنيّ بتنوّعه وعلينا المحافظة عليه، وارتأينا في فرقة “الحلقة” أن نلقي بدلونا في مساعي تثمينه وحفظه من خلال هذا العرض الذي يتحدّث عن جزء من هذا التراث ونقله لمختلف الأجيال القادمة وتحبيبه لتراث وحضارة أمّتها. وتحقيق نقلة بين الماضي والحاضر من خلال تقنيات حديثة وتفوق تقنيات الممثل البسيط، فالقوّال قاص، راوٍ ومغني وراقص و”عجاجبي”، وتوظيف هذه التقنيات من طرف “القوّال” في فضاء مفتوح موجّه لمتفرّج بدون نية الدخول إلى قاعة المسرح، وتكمن مهمّة “القوال” في جعل هذا المتفرّج يتابع عرضه أكبر قدر ممكن من الوقت.

من ناحية المسرح الحديث، فبيتر بروك  انتقل من المسرح الكلاسيكي والعلبة المغلقة إلى الفضاء الفارغ، حيث استخدام المساحة وقدرات الممثل، وفي العلبة المغلقة لا يوجد تفاعل بين الممثلين والجمهور مثلما يقدّمه مسرح الشارع، وعلى “القوّال” حسن تسيير هذا التفاعل  والتجاوب. وهنا أشير إلى أنّ أشهر نص للقوال حسب الأكاديميين هو “يا ديوان الصالحين” الذي يستعمله ويكيّفه وفق الظروف والمستجدات فإيقاعه الصوتي ولحنه جميل ويجلب الجمهور.

وعرض “آخر حلقة” يحمل عدّة مشاهد فيها الأقوال، الشعر الملحون، الأقوال المتفرقة ذات البلاغة والمغزى، وبين كلّ مشهد وآخر هناك تقديم، ويرّده الباحثون إلى بريشت، كما كان يعتمده الراحل عبد القادر علولة، حيث أردت في هذا العمل أن أقدّم عرضا فرجويا وأكاديميا في نفس الوقت.

  • من خلال عرض “آخر حلقة” أردت إحياء التراث من خلال المسرح، هل وُفّقت في ذلك؟

بدايتي كانت مع المسرح الكلاسيكي بسيدي بلعباس في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية، وأحببت هذا النوع من المسرح وانخرطت في فرق الهواة قبل الاستقلال، وبعد 1962 التحقت بكونسرفاتوار المسرح الجهوي لسيدي بلعباس ومررت بالتصفيات التي أشرف عليها مصطفى كاتبكما التحقت بدورات المسرح الشعبي، وكان لبيئتي تأثير كبير على مساري المسرحي حيث أنّ “الطحطاحة” بوسط المدينة القديمة لسيدي بلعباس ظلت ملازمة لي، وبعد التقاعد أردت إعادة إحياء حلمي من خلال عرض “آخر حلقة” ووضعت فيه كلّ تجربتي ففيه “دعوة حلايقي لزميلين له في المهنة “القوالة” لتقديم عرض مميز واستثنائي، وهو عرض يمكن أن يدوم أكثر من ساعتين وحتى تقديمه ضمن ما يسمى “مسرح بلا انقطاع”.

صال العرض وجال طوال هذه السنوات بمختلف مناطق الوطن، وشارك في احتفاليات كبيرة  وفي 4 تكريمات للراحل عبد القادر علولة أعوام 2014،2016 و 2017، صحيح لم يسايره الإعلام لكنه عرف إقبالا كبير، وتقاسمت مع الجمهور شغفي وحبي للمسرح خاصة في جانبه الاحتفالي.

  • وكيف ترون تموقع مسرع الشارع في المشهد المسرحي الوطني؟

تضمّ الفرقة 13 عضوا تتماشى مع الاحتفالية الكبيرة التي سينظّمها الحلايقي المتقاعد، وهو ما أثرى العرض، فأكبر العروض الناجحة هي التي تضمّ عددا معتبرا من الممثلين الذين يتقمصون شتى الأدوار ويثرونها، ونجد هذه التجربة عند المخرجين احمد رزاق ومحمد شرشال اللذين قدّما تجارب ناجحة وفق هذا التصوّر. وهنا أشير إلى ثناء المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد على تجربة فرقة “الحلقة” وعرض “آخر حلقة” حيث أُعجب بالأصالة التي يحملها وبالجانب الاحتفالي فيه من خلال الفرجة والتقنيات المستعملة فيه. حيث أشار إلى أنّ طقس “الصف” أعاد إحياء ذكريات طفولته والبساطة التي ميّزت السبعينات والثمانينات، فيما يعتبره البعض الآخر “عملا خفيفا.

مسرح الشارع عمل متكامل وأنا متفائل بمستقبله وانتشاره، لأنّ الجمهور يتفاعل معه، كما أن تجاوبه مع ما يقدّم وحضوره القوي، أسقط مقولة “عزوف الجمهور عن حضور العروض المسرحية”، كان لابدّ من إيجاد الحلول، وفي اعتقادي مسرح الشارع نجح في ذلك، وهو من سيعيد الجمهور إلى قاعات المسرح، وينقله من الفضاء الخارجي الذي يمثله “الشارع” باعتباره عتبة المسرح إلى الداخل.

الجمهور بحاجة إلى الاحتفال والترفيه بعد مشاق يومه ومسرح الشارع يعطيه هذه الفرصة، لذا اعتبره “همزة وصل بين الجمهور وقاعة المسرح”، وعلينا تطوير هذا النوع من المسرح وإعطائه أبعادا أخرى، فهو الحلقة الأكبر والأهم لتطوير مسرح بمستوى عالٍ. وهنا أتحدّث عن تجربة الربيع قشي مع تعاونية “التاج” وأحييه على العمل الذي يقوم به، خاصة وأنّه اختار أن يخوض مسار أصعب نوع مسرحي كطريق نحو الجمهور..أنا حاولت نشر هذا النوع المسرحي والمهم في ذلك أن ننشر الفرح والغاية من “آخر حلقة” هو إدخال البهجة والفرح والسرور إلى قلوب المتفرجين عبر البساطة والكلمة الجميلة..”آخر حلقة” هي حَلْقة وحَلَقة بين المسرح والجمهور.

  • بعد “آخر حلقة”، ماذا تقترحون على الجمهور والمتابعين لتجربكم المتميزة؟

مع عرض “آخر حلقة، أردت الاستعانة بجانبي الأكاديمي وتوثيق ما جاء فيه من تراث شعبي وقصائد وأقوال قصد الحفاظ عليه، حيث قمت بفهرستها وفق بحث علمي دقيق مستعينا بكلّ المراجع والمصادر في المراكز البحثية كمركز البحث في الأنتروبولوجيا والعلوم الاجتماعية “كراسك” بوهران، ووضعنا وثيقة يمكن للباحثين والمهتمين الاستعانة بها والاستفادة منها، وهي حاليا مخطوط ولم تنشر بعد، وموازاة مع ذلك باشرت في وضع مخطوط آخر أسميته “ذكريات الطفولة” وفيه كل ما عشته ومن عايشتهم.

وفي إطار مساعي إحياء الذاكرة الوطنية وتثمينها قدّمنا عرضا مسرحيا عنوانه “ذكريات زمان” ويتناول بأسلوب فيه الكثير من الحكم والأمثال الشعبية والفكاهة والذكريات الحزينة البائسة التي عاشها الجزائريون المنفيون إلى كاليدونيا الجديدة في غياهب السجن سنة 1870، ناهيك عن عرض آخر فيه الكثير من الأغاني القديمة، حيث عدت بذاكرتي إلى الأغاني التي صنعت بهجتي وأردت مقاسمتها مع الجمهور باستعمال الآلات القديمة والإيقاعات الأصيلة.

شارك المقال