مسرحيّة لطراف: نموذج جزائريّ لمسرح العبث

افتتحت فرقة الجيل الرّابع التّابعة للمسرح الجهويّ معسكر، يوم الجمعة 12 مارس 2021، العروض المسرحيّة خارج المنافسة الرّسميّة، بتقديم مسرحيّة ” لطراف” للمخرج أحمد بلعالم، في قاعة “حاج عمر”، بالمسرح الوطنيّ الجزائريّ.

يدور العرض حول الفراغ الموجود في العلاقات الإنسانيّة، حيث أصبح لدينا عجز في التّواصل مع بعضنا البعض، ويتقاسم رجلان يوما كاملا، أحدهما أعمى والآخر مُقعد. يبحث كلاهما في الآخر عمّا ينقصه. وهي مسرحيّة مستوحاة من نصّ للكاتب الإيرلندي صامويل باركلي بيكيت، مجسّدة نموذجا جزائريّا لمسرح العبث.

انحسرت الشّخصيّات في رجلين ققط، وهي واحدة من السّمات العامّة لمسرح العبث، بقلة عدد شخوص المسرحيّة التي غالبا ما تدور أحداثها في مكان ضيّق أو محدود جدا، وهي اللّوحة الفنّيّة التي عالجها المخرج أحمد بلعالم من خلال شخصيّة مشرّد أعمى تلازمه حقيبة بداخلها كمان، يعزف به مقطوعات موسيقيّة حزينة، أينما حلّ وارتحل. إضافة إلى مشرّد ثان مقعد فوق كرسيّ متحرّك ومبتور القدم اليسرى، ترافقه عصاه الغليظة. يلتقيان في مكان مظلم موحش، لا شعور فيه بالرّاحة ولا بالأمان، ولا يوحي بتاتا بالاستقرار، بل يسوده جوّ القلق والتّوتّر الدّائم في المزاج والسّلوك والحديث.

نلاحظ في مسرحيّة “لطراف” محاولة الشّخصيّتين، التّعرّف على بعضهما البعض بدافع الفضول، والخوف من بيئة المكان وزمانه المبهم، فتكون الإجابات متقطّعة باستحضار لحظات من الماضي تعبّر عن السّعادة تارة، والبؤس والإحباط تارة أخرى، باستخدام عبارات ساخرة فيها تلاعب بالألفاظ، تثير حفيظة كلّ واحد منهما، ممّا ينجم عن ذلك، اللّجوء إلى العنف بإسقاط المشرّد الأعمى، للمقعد أرضا بعد أن صال وجال به المكان جرّا لعربته، فيدافع الأخير عن نفسه، و يضرب الأعمى بعصاه، فيسقطه أرضا، ثمّ سرعان ما يعودان إلى جوّ الحديث واستذكار أحداث عايشاها وأشخاص عاشراهما كالابن والجار اليهوديّ السّكّير، إلى أن يجمع الأعمى أغراضه وينصرف، رغم إصرار مرافقه على البقاء معه. وهي لوحة تنصبّ على تجريب لمفهوم اللّاوجوديّة  كعنصر دراميّ، تهدم المنطق وتلغيه، وتعترف  بالشّيء المستحيل غير المقبول وغير المتوقّع منطقيا.

فدون حبكة، وبعيدا عن المنطق، وبأفكار غير متسلسلة، وحوار أقرب إلى المونولوغ الدّاخليّ، غير محكم، ولغة مشوّشة أحيانا ومتضادّة أحيانا أخرى، لا ثقة في معانيها كوسيلة من وسائل الاتّصال المتعارف عليها. دارت أحداث المسرحيّة مدّة خمسين دقيقة، بديكور ذي خلفيّة مظلمة تبرز فيها الشّجرة والنّافذتين، والأبواب الكثيرة، والظلال، كوسيلة فنّيّة مستخدمة للتّعبير عن العناصر المرئيّة الملموسة للإيحاء باتّجاه ميتافيزيقيّ، والمستوحاة من نصّ  مسرحيّة ” في انتظار غودو ” لمنظّر مسرح العبث صمويل بيكت.

وتعتبر مسرحيّة ” لطراف ” واحدة من الورشات التي تشرف عليها فرقة الجيل الرّابع بالتّنسيق مع المسرح الجهويّ معسكر، ومساهمة مسرح القوس، من تمثيل كيسي عمر أوسيد ودادوش مصطفى، ومشاركة سعيد منصور تقنيّا للصّوت، وبالطير عبد النّور تقنيّا للإضاءة.

عبد الحكيم جبنون

شارك المقال