مسرحيّة “لعبة العرش” تبادل للأدوار وصراع غير محسوم

شارك المسرح الجهويّ “محمود تريكي” لولاية قالمة، بمسرحيّة “لعبة العرش”، يوم الأربعاء 17 مارس 2021، في المنافسة الرّسميّة للدّورة الرّابعة عشر، من المهرجان الوطنيّ للمسرح المحترف، بقاعة العروض “مصطفى كاتب” في المسرح الوطنيّ الجزائريّ.

تناولت المسرحيّة موضوع الصّراع على الحكم القائم في مملكة افتراضيّة، داخل النّخبة الحاكمة، وعرّت المستوى الثقافيّ والأخلاقيّ لأصحاب القرار فيها، كاشفة خبايا وأسرار الملوك وصراعاتهم غير المحسومة داخل القصور المحصّنة بالأسوار، والمدجّجة بالفتن والمكائد والدّسائس، حيث يعيش الملك كلّ أنواع الأزمات، ويمارس كلّ أشكال القمع والانتقام من الخصوم، بمخطّطات دنيئة، تأخذه إلى نهايات غير سارّة، وتصدمه بمفاجآت غير متوقّعة. وهي مستوحاة من نصّ ومسرحيّة  ” إسكوريال” للكاتب البلجيكي ميشال دو غولديرود، من خلال إعادة كتابتها بانتهاج إسقاطات تعكس الواقع السّياسيّ في دول العالم الثّالث.

تمثّلت الشّخصيّات في الملك ذي المزاج المتقلّب، المهتمّ بأهوائه دون اعتبار لحالة رعيّته، ويبرز كشخصيّة متشبّثة بكرسي الحكم ( العرش)، يبني رؤيته للأمور على نظريّة المؤامرة، حيث أنّه في صراع دائم مع ذاته وزوجته الملكة التي سمّمها، من جهة، ومع حاشيته من جهة ثانية، والمتمثّلة في

” العجاجبي ” المتقمّص دور المهرّج الذي يسلّي الملك، وله ميولات عاطفيّة تجاه الملكة، والطّامع في تولّي زمام العرش، إضافة إلى ” الجلّاد ” الذي يستغلّه الملك في قمع رعيّته، والرّاقصتين اللّتين تشاركان في تأجيج العلاقة بين الملك والجلّاد والعجاجبي، حفاظا على مكانتهما، وقربهما من البلاط الملكيّ. وهما اللّتان عوّضتا شخصيّة ” الرّاهب “، أو الشّخصيّة الدّينيّة في النّصّ الأصليّ للكاتب دو غولديرود.

كتب نصّ المسرحيّة رابح هوادف، وأخرجها محمد إسلام عبّاس، بالتّعاون مع فتحي كافي في المعالجة الدراميّة، والذي جسّد شخصيّة الملك، رفقة الممثّلين بزّاحي محمّد، حمدي عريبي، حنان شرايريّة، ومريم فنيدس. نلاحظ خلال عرضها الذي تجاوز السّاعة، أنّ تلك الشّخصيّات المتصارعة، تتّفق فيما بينها على معاملة الرّعيّة ( الشّعب )، باستعلاء، والنّظر إلى مطالبها على أساس نباح كلاب، ما يعني تجرّد تلك النّخب الحاكمة من الجانب الإنسانيّ، وانتهاجها أسلوب القمع والاستبداد. أمّا الشّقّ الخاصّ بالصّراع، فيحدث داخل النّسق السّياسيّ للعرش، وتبرز فيه ثلاثة أشكال تمظهرت في الصّراع بين الملك والعجاجبي،  وبين الملك والجلّاد، وبين  الجلّاد والعجاجبي. مع إمكانيّة إضافة الصّراع الذّاتيّ النّفسي الحاصل داخل شخصيّة الملك.

اعتمدت النّخبة المتصارعة على الحكم، على لعبة تبادل الأدوار، لتقصّي حقيقة ما تصبو إليه كلّ شخصيّة، وكيف تـفكّر، وما هي الأساليب التي تتّبعها للوصول إلى الحكم، ليشتدّ صراعها دون إدراك بمطالب الحرّيّة التي تصرّ عليها الرّعيّة، وتتحرّك لتغيير نمط الحكم كلّه.

تنتمي مسرحيّة ” لعبة العرش ” إلى مسرح القسوة، وهو أسلوب أداء مبنيّ إلى حدّ كبير على الحركة، بهدف صدم حواسّ الجمهور، باستخدام العنف والصّور الصّادمة التي تناشد العواطف، دون التّركيز على النّصّ كثيرا، وذلك لأنّ الرّقص والإيماءات لها تأثير قويّ يناهز الكلمة المنطوقة، والأضواء، والأصوات القويّة.

النّقاش: حديث عن مسرح القسوة

في مستهلّ النّقاش، اعتبر النّاقد المسرحيّ محمّد بحري، مسرحيّة ” لعبة العرش”، عملا مسرحيّا يرفع شأن المهرجان، ومستوى عروضه، وهي مقتبسة عن نصّ للكاتب البلجيكيّ ميشال دو غولديرود، مشيرا إلى أنّها تنتمي إلى مسرح القسوة، وهي مسرحيّة كلاسيكيّة جدّا، شبيهة بمسرح البلاط، حيث رأينا مسرحا داخل مسرح، وتبادل للأدوار، وخيال بصريّ، وإيهام. إضافة إلى ملمح سينوغرافيّ اعتمد على الإضاءة الأفقيّة متخلّيا عن الإضاءة الشّاملة. وهي إضاءة قاسية تركّز على عرش الملك، بتناغم مع سينوغرافيا الأصوات الطبيعيّة من نباح ورياح، والأصوات المصطنعة المتمثّلة في موسيقى المهرّج وألف ليلة وليلة. كما أوضح أنّ المسرحيّة عبارة عن انقلابات، لأنّها تعكس حروب هذا المجتمع الملكيّ، بتلك الصراعات البينيّة بين الملك والعجاجبي والجلّاد، والملكة.

وأبدى النّاقد بحري، عدم اقتناعه بكيفيّة حدوث الانقلاب فنّيّا، بحيث غابت لحظة التّبرير بين الملك والعجاجبي. زيادة على تداخل في إتقان النّصّ من خلال تفاوت الأدوار بظهور ممثّل أكثر من ممثّل آخر، والاعتماد على خطاب الحكمة والسّجع والقوّال، لدى كلّ الممثّلين، وهو ما طمس عامل الاختلاف في أداء الشّخصيّات.

من جهته، أثنى مخرج المسرحيّة، محمّد إسلام عبّاس، على فريق المسرحيّة من ممثّلين وفنّيّين وتقنيّين، وأكّد على أنّ ما يهمّه في العرض، هو تقديم عمل نظيف، ولا يفضّل الحديث كثيرا بعد عرض المسرحيّة، ليترك المجال لكلّ متابع، حتّى يفسّرها على طريقته، وحسب نظرته وثقافته.

أمّا كاتب النّصّ فتحي كافي، فأوضح أنّه ركّز على الاستعارة فيما يتعلّق بلغة الشّخصيّات، وأنّه كان في حالة روحيّة وصوفيّة لمّا كتب النّصّ، مع إمكانيّة مروره بحالة نفسيّة خاصّة جرّاء جرعة مفرطة. وكان ينتظر أن يعدّله المخرج، لكنّه لم يفعل، معترفا أنّه من المفروض أن تكون اللغة مختلفة حسب كلّ شخصيّة، فقد كانت هذه المسرحيّة مشبّعة بالصّور البيانيّة والشّاعريّة، ومعتبرا في السّياق، أنّ المسرح فقد لغته، ولم تعد ذات مستوى. إلى ذلك، انصبّت ملاحظات الجمهور حول الأداء من حيث عدم تغطية كلّ المساحات فوق الرّكح، وقوّة الصّوت، والسّرعة في نطق الكلام، مع إهمال مخارج الحروف، وتغييب التّنفّس البطنيّ. وطالب آخرون بضرورة تمكين الممثّلين المسرحيّين من ورشات تكوينيّة.

عبد الحكيم جبنون

شارك المقال