مسرحية “تحت الحصار”

عائلة الدكتور مقران …نضال في صمت

عاد بنا أمس 29 ديسمبر 2023 على ركح المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، المخرج المسرحي كريم بودشيش إلى مشهد من مشاهد النضال الجزائري أثناء الثورة التحريرية، وذلك من خلال عرضه لمسرحية تاريخية ثورية بعنوان “تحت الحصار”، والتي تندرج ضمن عروض المنافسة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف. العرض الذي ينتمي للمسرح البرشتي، تطرق إلى النضال والتحرر الراسخين في وجدان كل فرد من أفراد المجتمع، عن نص الراحل جمال عمراني، ترجمة واقتباس الحبيب السايح ومعالجة درامية للسعيد بولمرقة.

حاولت ” تحت الحصار” على مدار ساعة من الزمن أن تضعنا عن قرب في قلب المجتمع الجزائري المتشبع بقيم التحرر والنضال، فكانت أسرة الدكتور مقران عينة عن الكثير من الأسر الجزائرية التي ساهمت في تجسيد مخططات جبهة التحرير الوطني ضد المستعمر الفرنسي، وما زاد العرض قوة وجمالا هو تلك الاستراحات التي تتخللها موسيقى تصويرية أرجعتنا إلى الحقبة الاستعمارية أبدع في اختيارها عبد العظيم خمري فأعطت نفس وروح لهذا الحدث التاريخي. ناهيك عن السينوغرافيا الموافقة وتلك النقلات المُوَفَّقَة من مشهد لآخر، والتي تجعل المشاهد يحس وكأنه يشاهد فيلما مصورا لا عرضا مسرحيا عاديا.

تدور أحداث هذه المسرحية حول أسرة الدكتور مقران التي كانت  تبدو ذات مكانة اجتماعية مرموقة نسبيا، مقابل ما كانت تشهده الجزائر من دمار وخراب جراء الحرب، وفي الوهلة الأولى يظهر الدكتور مقران رجل ذو مستوى ومحترم من طرف الناس ناهيك عن السلطات الفرنسية التي كانت تعتبره  حليفا لها، وهو ما كان يظهره الدكتور لعامة الناس وحتى لأسرته التي كانت تمقت فيه صفات الحياد والصداقة مع فرنسا، لكن سرعان ما تتسارع الأحداث لنكتشف أن البنت الصغرى وزوج البنت الكبرى مناضلان في صفوف جبهة التحرير وأحد محركاته بالمدينة، يعملان خفية ولا أحد من العائلة يعلم بسرهما، بينما الابن الذي تلقى تعليمه بفرنسا وأصبح حقوقيا يخطط يوميا للالتحاق بصفوف جبهة التحرير، في حين تظهر البنت الكبرى ربة بيت في صورتها النمطية  تحضر الطعام للعائلة وتهتم بشؤونهم المنزلية لا غير، وبعد مدة تشك في خيانة أختها مع زوجها، وفي الاخير وبعد عملية تفجير كانت ستقوم بها البنت الصغرى في إحدى مقاهي المدينة والتي خلفتها صديقتها بعد تغيير الخطة، تصاب هذه الأخيرة وتلجأ لمنزل الدكتور مقران لطلب المساعدة، وهنا ينكشف كل شيء، حين تعتقد الفتاة الصغرى وزوج أختها أن أباها يريد تسليم الفدائية للشرطة الفرنسية، فيشهران السلاح في وجهه وفاء لمبادىء جهة التحرير الوطني، لينكشف بعدها المستور ويظهر سر الدكتور بأنه هو الرأس المخطط والمدبر لكل هذه العمليات الفدائية، لتكتشف البنت الكبرى ان كل عائلتها منخرطة في صفوف جبهة التحرير يناضل كل منهم في سرية وعلى حِدة. وفي ظل الحصار الذي كانت تختنق به المدينة، ترسخت قناعة النضال والمقاومة وعدم الاستسلام في هذه العائلة ولو كان الثمن أرواحهم لان القضية أكبر بكثير من مجرد معركة.

تألق في أداء أدوار “تحت الحصار” مجموعة من الممثلين، ناهيك عن كل من السعيد بولمرقة في دور الضابط الفرنسي والذي وُفِقَ المخرج في اختياره كشخصية لآداء هذا الدور وذلك لما يميز لكنته الفرنسية التي تشبه لكنة فرنسيي تلك الحقبة، ما أعطى الدور قوة وقرباً أكثرمن الواقع، كما أبدعت الممثلة جوهرة دراغلة في دور البنت ربة البيت التي صفق لها الجمهور على طول العرض،  فبالرغم من أن العرض كان تاريخيا ثوريا إلا أن المُخرِج وبطلب من الممثلة وافق على إضفاء  شيىء من المرح لهذه الشخصية دون المساس بمضمون النص والخروج عن الهدف المرجو، فأعطت هذه اللمسة قوة وجمالية شدت الجمهور وكسرت الملل.

شارك المقال