التعاونيات المسرحية في الجزائر: بين سندان النصوص القانونية ومطرقة البيروقراطية

احتضن المسرح الوطني الجزائري، اليوم السبت، ضمن الدورة الـ14 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، ندوة حول “دور التعاونيات في الحركة المسرحية الجزائرية”، شارك فيها مختصون في الفن الرابع، تطرقوا إلى العراقيل التي تواجههم في إنشاء التعاونيات على ضوء تجاربهم.

جمعت، الندوة كل من رئيس تعاونية “السنجاب”، عمر فطموش، وحيد عاشور رئيس تعاونية “البليري”، المخرجة المسرحية تونس آيت علي، عزّي غوتي رئيس تعاونية “أول ماي”، ورئيس تعاونية “لام ألف” حسان عسوس.

عزري غوتي: التعاونيات تعيش تحت رحمة البيروقراطية

قال رئيس تعاونية “أول ماي”، في حديثه عن تجربة الفرقة، إنّ “أول ماي أول تعاونية، تأسست عام 1988، من طرف فنانين ينشطون بمسرح وهران.

وأضاف عزري “أسباب إنشاء الفرقة تعود إلى صراعات إيدولوجية وسياسية شهدها مسرح وهران أنداك”، واستطرد قائلا “حدث انشقاق واتهم علولة، لكن واصل العمل حتى أنتج مسرحية “الأجواد”، غير أنّ الأزمة زادت حدّتها، بسبب أحد الممثلين الذين غادر إلى فرنسا وأجرى تربصا وبعد عودته طلب أن يعود إلى مكانه في المسرحية، وقتها فريق لجواد كان يشتغل وهدد الفرقة”، ووفق عزري “من خلال تلك الأحداث جاءت فكرة تأسيس تعاونية، وتأسست عام 1988”.

وأوضح المتحدث أنّ “العراقيل الإدارية خاصة فيما يتعلق بمنح التعاونية اعتماد وقانون تستند عليه صعبت المهمة، كما أنّ الوزارة وقتها لم تحرّك ساكنا، إلى أن جاء بوحاميدي محمد وعمل على إيجاد حل للقضية، غير أنّ الأمور بقيت صعبة، حتى بلغ الأمر إلى اتهام علولة بـ “الخيانة” من قبل بعض الفنانين الزملاء”.

وأكدّ المتحدث أنّ “التعاونيات المسرحية تعيش تحت الضغط على مستوى فتح حساب بنكي والتمويل والإجراءات القانونية”.

فطموش: بإمكان التعاونيات أن تكون لها قاعدة قانونية واضحة

بدوره، انتقد عمر طموش أسلوب التعامل مع التعاونيات المسرحية من قبل السلطات المحلية وقال فطموش في الندوة إنّ “التعاونيات المسرحية بالإمكان أن يكون لها قاعدة قانونية واضحة وأساسية من خلالها تنطلق نشاطاتها إلى أبعد حد”.

وعاد رئيس تعاونية “السنجاب” إلى ظروف تأسيس التعاونية، حيث اعتبر أنّ “التجربة مرّت بصعوبات كثيرة بدأت سنة 1976 في ظل حكم الحزب الواحد الذي عمل على الحد من حريتها.

وقال المتحدث “الحزب الواحد كان يتدخل ويمنعني شخصيا من حضور تدريبات التعاونية”.

وفي سنة 1977 أوضح فطموش أنّه أنتج مسرحية بعنوان “اتهمونا”، وهو العمل الذي منع من العرض بمسرح تيزي وز في فترة سيد أحمد أقومي بحجة أنّه ينتقد الشيوعية”. وأكدّ فطموش أنّ “أقومي دافع عن التعاونية بشراسة ولن ينسى موقفه”.

وأشار المتحدث إلى أنّه مع بداية التسعينيات بدأ حضور الحزب المنحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ في النشاط، حيث عمل الحزب على سحب المقر منهم ووضع قنبلة داخل القاعة، فضلا عن العراقيل البيروقراطية للحصول على اعتماد وعقد موثق، رغم أنّ قوانين الجمهورية في هذا الإطار واضحة، وتم حل القضية بصعوبة”.

وأوضح المتحدث أنّ “تأسيس تعاونية “السنجاب” كان سنة 1993 بعد الغاء المسار الانتخابي، وخصصت للأطفال، وهم من أطلقوا عليها “السنجاب” بعد عملية تصويت حول اختيار اسم التعاونية”.

ووفق فطموش “السنجاب قدمت عروضا قوية وقامت بجولات داخل وخارج الوطن، وتعاقدت مع مؤسسات وهيئات ثقافية وفنية كبيرة دولية، وذلك كان بفضل إطارها القانوني الذي تأسست عليه بشق الأنفس”.

ولفت المتحدث إلى أنّ “البيروقراطية ما تزال تنخر جسد الإدارات في الجزائر، وتحد من ابداعات الفنانين.

وحيد عاشور: البليري عانت من أجل الحصول على اعتماد

من جهته، رئيس تعاونية “البليري” وحيد عاشور، قال إنّ “تجربة “البليري” كانت رائعة، وأسسها رفقة خالد بلحاج وهشام داودي وحمودي”، وأضاف عاشور أنّ “احتكاكه بأهل المسرح في قسنطينة ساعده في ذلك، وقدمت البليري عديد المسرحيات التي وصفها بالكبيرة مثل “البعد السابع” التي أسالت الكثير من الحبر.

وأشار المتحدث إلى أنّ “سليم ميرابيا رئيس مسرح قسنطينة آنذاك، ساعدهم وفتح الباب لهم وحتى أعطالهم مكتبا، حيث يلتقون ويناقشون أفكارهم”.

ولم يخف رئيس تعاونية “البليري” أنّه بعد تجربة فاشلة في فرقة مسرح المدرسة، تم التفكير في انشاء التعاونية “البليري” التي تم الاعتراف بها واعتمادها أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

وأكدّ وحيد عاشور أنّ “البليري (مستمدة من اسم زهرة) حققت جوائز داخل وخارج الوطن، وتنشط باستمرار”.

عسوس: التعاونيات ليست ضد القطاع العام

أما حسان عسوس رئيس تعاونية “لام ألف” فقال إنّ “تجربة إنشاء التعاونية لم تختلف عن ما ذكره الزملاء من عراقيل بيروقراطية وإدارية وصعوبة الحصول على وثيقة قانونية”.

وأضاف عسوس أنّ “التجربة ولدت من رحم الانسداد الذي عرفه مسرح سيدي بلعباس بعد وفاة كاتب ياسين، حيث تغيرت الأمور كثيرا”.

واستطرد قائلا “لم يكن هناك لا رؤية ولا إمكانيات في تلك الفترة، حيث أيد زملاء الحزب الواحد (الأفلان)، اعتقادا منهم أنّ فكرة تأسيس تعاونية هو تهديد أو ضد القطاع العام”.

وذهب عسوس بالقول إنّ “التعاونيات عالمية وليست متعلقة بالجزائر فقط، فلماذا الإدارة تراها بنظرة سيئة، والتعاونيات أنشأها فنانون من أجل تقديم أعمال في جور من الحرية”.

وأشار عسوس إلى أنّ “تعاونيته التي أسسها رفقة زوجته فضيلة عسوس لم تستفد من الدعم إلى حد اليوم، وكانت مصاريفها من إمكانياتها الخاصة وبفضل العروض التي قدمتها داخل وخارج الوطن”.

وأكدّ المتحدث أنّه “لا يوجد مسرح خاص في الجزائر، لأنّ المسرح ينتج، وما يتحدث عنه هو مجرد قاعات عروض وفقط”.

وشدد عسوس أنّ” التعاونيات ليست ضد القطاع العام بل هدفها العمل في جو حر وتقديم أفكارها دون ضغط”. وبالعودة إلى مسرحيته “بسمة” التي جابت عدّة بلدان، أوضح أنّ “تقديمها كان خلال سنوات التسعينيات إبّان العشرية السوداء”.

وقال “أول عرض كان سنة 1992 بمسرح سيدي بلعباس، ثم في شهر ديسمبر بقاعة الموقار، وفي 9 مارس 1994 عرضت بقصر الثقافة مفدي زكريا، وبلغ عدد عروضها عبر ولايات الوطن 50 عرضا”.

تونس آيت علي: التعاونيات بحاجة إلى فضاء حر

بدورها، تحدثت المخرجة المسرحية تونس آيت علي عن تجربتها في الخارج وعلاقتها بالتعاونيات المسرحية في الجزائر.

وقالت تونس آيت علي “في أوروبا تأسيس تعاونية أسهل بكثير من الجزائر، بفضل التكنولوجيا واعتماد قاعدة رقمية على الأنترنت”.

وأضافت المتحدثة أنّ “الأمور البيروقراطية في فرنسا تحديدا غير موجودة ويحتاج إنشاء تعاونية وقت قصير جدا، والهدف وفق الإدارة هو ماذا تقدم في الميدان وكم ستدفع ضرائب وغيرها، لذلك لا عراقيل إدارية”. ووفق المتحدثة “في الجزائر من خلال تجربتها مع تعاونيات محلية (خليل عون) بسطيف وجدت صعوبة في الحصول على الدعم، فكان عليها في كل مرّة طرق باب مؤسسة معينة من أجل دعمهم”.

وحسب تونس آيت علي “المشكل المطروح حاليا هو أنّ التعاونيات تحتاج إلى فصاء حر، من أجل أن تسير بكل حرية عملها، كما يجب على السلطات وخاصة وزارة الثقافة التواصل مع التعاونيات وسماع انشغالاتها”.

وختمت بقولها “نفتقد إلى مناضلين في المسرح مثل عبد القادر علولة وكاتب ياسين وأخرين”.

حسان.م

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *