“نساء كازانوفا” لمسرح بجاية الجهوي: معاني التسامح

دخل المسرح الجهوي عبد المالك بوقرموح بجاية، سهرة الإثنين 26 ديسمبر 2022، غمار المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح المحترف في دورته الـ 15، بمسرحية “نساء كازانوفا” التي أخرجها علي جبارة واقتبسها مولاي ملياني عن رواية لواسيني الأعرج.

في قالب تراجيدي ساخر، تصارعت ثمانية شخصيات بين نساء ورجال على مدار 75 دقيقة، كانت كافية لتكشف تنوع التركيبة النفسية والاجتماعية لكل واحد منهم. ذلك أن موضوع المسرحية يتطرق إلى معنى التسامح بين الناس و تعرية حقيقة الصراع على السلطة والمال وتفضح كذلك جوانب من العلاقة الشائكة بين المرأة والرجل.

وقد احتفظ مولاي ملياني عند اقتباس المسرحية  بالصراع الموجود في متن الرواية التي جاءت  تهكمية تراجيدية لا تشبه تماما حكاية ألف ليلة وليلة، لكنها تروي ما حدث  لنساء كازانوفا، اللائي يصدق عليهن صفة الشهرزادات الأربع: “لآلة كبيرة” (الممثلة فتيحة وارد)،”لآلة زينة” ( الممثلة الواعدة ناريمان يربح)، “لآله رقينة” ( الممثلة جوهرة دراغلة)، و”مباركة”(الممثلة مونيا)، يواجهن شهريارًا بلا أنياب ولا سلطة فعلية، بعد أن تلاشت كل قوته الجسدية وسلطانه، ولم يبق أمامه إلا انتظار الموت، وبعض الأنفاس الأخيرة التي يحاول خلالها أن يجد مدخلاً للمسامحة مع نسائه، علهن يغفرن له ما ارتكبه ضدهن من قسوة.

إلى جانب نون النسوة كان هناك أربعة رجال يحملون في جعبتهم زادا من اللوم والأسرار المتفجرة، فكان “مسعود الخديم” (محمد يرقي) و”عكاشة” (محمد فرشولي) و”عليلو” (فؤاد ناصري) و”الشيخ الحكيم” ( سفيان حاج ناصر).

ورغم كثافة العناصر الديكورية فوق الخشبة، إلا أن تواجد ثمانية ممثلين في مشهد واحد لم يشكل عائقا لإثبات قدراتهم التمثيلية وانسجامهم كمجموعة واحدة.

وسرعان ما يدخل المتفرج في صلب الحبكة المسرحية، بفضل الحوار المتعدد الأطراف الذي سمح بالمشاركة في الصراع والشعور بحاجة الشخوص إلى اتخاذ القرار.

دخل الجميع وسط أمواج اللوم والحكي والاعترافات والاتهامات ولم يكن كازانوفا سوى شبح موجود وغير موجود، دون صوت ولا وجه مكشوف، ممدد على سرير يظهر  ويختفي نزولا وصعودا ذلك أنه شخصية تتأرجح بين صعود الروح وانحباسها في الأرض حيث معاناة الآخرين.

وقد شكلت لحظة كشف المستور ومواجهة كازانوفا بحقيقة أفعاله، عملية  تشبه المونولوغ حينما داخل بدأت الشخوص تفصح عن دواخلها وتتطهر من دنس الألم وتقول بأعلى صوت الأشياء بمسمياتها مثل الاغتصاب والقتل والسرقة والكذب والخيانة الزوجية. تزداد الحبكة الدرامية تعقيدا كلما استنطق أحدهم حكايته، وبسرعة تغيرت موازين القوى في ذلك القصر العتيد. فكازانوفا ليس إلا جسد متهالك تعافه الموت ويشمئز منه  المحيطون، فيما يرتفع صوت “المظلومات” عاليا ويتحول الموقف إلى محاكمة أخيرة.

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *