“شمّة دوريجين” لتعاونية الشمعة من قسنطينة

عندما يصنع الفقر عقدا في الإنسان

تفاعل جمهور المسرح الوطنيّ الجزائريّ، سهرة الإثنين 25 ديسمبر 2023، مع عرض ” شمّة دوريجين ” في مختلف اللّوحات الفنّيّة العشر، بالتّصفيق والضّحك، وهي مسرحيّة مشاركة ضمن المنافسة، من إنتاج تعاونيّة الشّمعة للثّقافة والفنون بقسنطينة، ألّفها الرّاحل عدلان بخّوش وأخرجها عبد الجليل نجّاي.

بدأت اللّوحة الأولى بمحادثة مسنجر بين “علّاوة” الذي هاجر إلى أوروبّا، وصديقه المتواجد بأرض الوطن المدعو ” الكوربو”، حول الشّمّة والمنظّفة ذات العشرين سنة، تتخلّلها انقطاعات في الإنترنت. وتضمّنت اللّوحة الثّانية حديثا بين علّاوة والمنظّفة، دون أن يفهم كلامها، وهو المعجب بها والرّاغب في التّقرّب منها، لكنّها ترفضه وتهينه، وتلتزم بعملها في تنظيف المنزل فقط، فيلجأ في اللّوحة الثّالثة إلى ترديد تعويذات من الشّعوذة والسحر، ومحاولا استحضار الشيطان لجلب تلك الفتاة ونيل رضاها، لكن دون جدوى، فيقول لها: ” أنت مثل نسائنا .. ما تحبّوش الرّجال “، وإنّه ترك كلّ بنات خالاته وعمّاته وبنات حيّه ولم يقبل بهنّ، لترفضه ” البونيشة” ( قاصدا المنظفة). وهنا تبرز الشّخصيّة الثّالثة الممثّلة في ” الشّيطان”، إلّا أنّ علّاوة يشكّ في ملامحه ويخبره أنّ نوعه مشابه لأولئك السّحرة القدامى في الرّسوم المتحرّكة، لأنّ الشّياطين، في العادة، تنشر الرّذيلة وتساعد على فعل الشّرّ، إلّا أنّ الأخير يعلمه أنّ دوره يكمن في فعل الخير ومساعدة النّاس، فيستشيط منه غضبا، ويصرخ مناديا إبليس وطالبا منه استبدال هذا الشّيطان بآخر يكون شرّيرا.

وفي اللّوحة الرّابعة، مزج المخرج بين حديث علّاوة والشّيطان الذي يطلب منه تغيير حاله والاهتمام بمظهره الخارجي وتصفيف شعره والاهتمام بنفسه حتّى يجذب المنظّفة، وبين نسوة جالسات في عرس داخل قاعة حفلات ينتقدن الحلويّات والأكل والألبسة التّقليديّة، بينما ينتظرنهنّ أزواجهنّ خارجا، وهم قلقون ويرغبون في العودة إلى منازلهم. وفي هذه الأثناء، تبدأ تجلّيّات الوسواس والظنّ والأفكار الشرّيرة، فيفكّر علّاوة في سرقة متجر لبيع الملابس أسفل العمارة، لكنّ الشّيطان يرفض مشاركته هذه العمليّة. وبالموازاة، ينفعل الأزواج فيما بينهم، ويتجادلون مع نسائهم، ليتطوّر الكلام إلى تهديد بالطّلاق والسّب والشّتم والشّجار والعراك. وفي اللّوحة الخامسة، يتبرّأ الشّيطان من كلّ الأفكار الشّرّيرة والسّلوكات التي قامت بها النّسوة وأزواجهنّ، فيبدو علّاوة محتارا، مع سماع صوت اتّصال بالمسنجر من طرف الكوربو الرّاغب في معرفة أحوال صديقه علّاوة، والتّعرّف على المنظّفة، بينما تضمّنت اللّوحة السّادسة مظاهر السّرقة في الّدول الأوروبّيّة، حيث تكون بالخداع والثّقة، وهي التي تجلّت في شخصيّة جورج الذي يسرق حقيبة يدويّة لرجل وامرأته في متجر لبيع الملابس، رغم أنّهما كانا لطيفين معه، ثمّ يدخل علّاوة، محاولا سرقة بعض الملابس وفي غرفة التّبديل يرنّ هاتفه، فينقر على زرّ المكالمة بالفيديو دون أن يشعر، ليراه صديقه الكوربو وهو ينزع ملابسه، فيظنّ أنّه رفقة الفتاة. وفي حقيقة الأمر، كان يختار ما سيسرقه من قمصان وسراويل وأحذية، دون أن يفلح في ذلك، لأنّ الحارس يكشف أمره ويصعقه بالعصا الكهربائيّة.

في اللّوحة السّابعة، يدور حديث بين الكوربو وأصدقاء علّاوة من أبناء حيّه، حيث يخبرهم أنّه تعرّف على فتاة وبنا علاقة غراميّة معها، فتشتدّ غيرة جارته المدافعة عن الزّين المحلّيّ، والتي وعدها بالزّواج قبل أن يهاجر، وتحسده جارة أخرى مسترجلة استلف منها مبلغا من المال، بينما ينعته العمّ ربيع الأعمى بشتّى الصّفات الدّنيئة، فالكلّ يظنّ علّاوة مستمتعا في أوروبّا، في الوقت الذي يعاني الأمرّين. وفي اللّوحة الثّامنة، يواصل علّاوة محاولات السّرقة، والحارس يتربّص به في كلّ مرّة، إلى أن يفلح في أمره، ويتنكّر لنصائح الشّيطان، ويطلب منه أن يرحل عنه، ثمّ يدخل شقّته حيث المنظّفة، ويحاول إهداءها تنّورة والتّقرّب منها، لكنّها تواصل رفضها إيّاه وإهانته، فينعتها بوجه الفقر وعديمة الأحاسيس، وينادي الشيّطان من جديد أملا في مساعدته، لكنّ الأخير يحضر ويخبره أنّه لا يتحكّم في مشاعر النّاس، وأنّ دوره يقتصر على النّصح وفعل الخير، وفيما يخصّ غباءه، فمردّه علّاوة في حدّ ذاته الغبيّ والجاهل وغير المتعلّم. ويذكّره بسلوكاته غير اللّائقة منذ الصّغر لمّا كان تلميذا في المدرسة الإبتدائيّة وحاول سرقة قطعة شكولاتة، فيبدأ علّاوة في الصّراخ والبكاء دفاعا عن نفسه، موضّحا أنّ زميلته في القسم هي التي أهدته تلك القطعة، ولكونه طفلا فقيرا، فإنّ الأستاذ احتقره واتّهمه بالسّرقة. وهنا فيطلب من الكوربو الذي اتّصل به من جديد، أن يساعده لأنّه في حال يرثى لها، وتلك المنظّفة تريد إدخاله مستشفى الأمراض العقليّة.

وفي اللّوحة التّاسعة، يجتمع الكوربو مع أبناء الحيّ، حيث يبدون تعاطفهم مع صديقهم علّاوة، ويقرّرون مساعدته في العودة إلى الوطن، ويتناقشون فيما بينهم عن الطّريقة المثلى لذلك، لينتهي بهم السّبيل إلى قرار إرسال الكوربو إلى أوروبّا لإيجاد صديقه، ويقدّمون له بعض الإعانات الماليّة رغم وضعهم الاجتماعيّ المزري، لينتهي العرض المسرحيّ بلوحته العاشرة التي يظهر فيها الكوربو أمام الفتاة المنظّفة، وهو يسألها أين أخذت علّاوة.

وخلال جلسة النّقاش، أثار النّقّاد والطلبة الحاضرون بعض الملاحظات الفنّيّة، وأبدوا إعجابهم بموضوع المسرحيّة وطريقة أداء الممثّلين، ونجاح المخرج في بنائه الدرامي وإدارة الصّراع بين الشّخصيّات، ليؤكّد الأخير أنّ هذا العمل أنجز دون أيّ دعم ماليّ من الجهات الوصيّة، بل استعانوا بإمكاناتهم الشّخصيّة، وساعدهم الممثّل حكيم دكّار في توفير قاعة للتّمرينات والتحضيرات، وتوفير حافلة لنقلهم من ولاية قسنطينة إلى العاصمة، كما أثار بعض المشاكل البيروقراطيّة التي واجهها، داعيا إلى إعادة النّظر في وضعيّة التّعاونيّات الثّقافيّة التي استطاعت إنتاج مسرحيّات نالت تفاعلا واسعا من الجمهور، وتوّجت بكثير من الجوائز في منافسات وطنيّة ودوليّة.

شارك المقال