الأستاذ إدريس بوديبة: “اقتباس المسرح من الرواية ظاهرة صحية.. لكن”
في لقائه مع “موقع المهرجان”، ،تحدّث الأستاذ إدريس بوديبة القائم على فعالية “الرواية في ضيافة المسرح” المرافقة للدورة الخامسة عشر للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، عن الغاية من هذا التواجد الجميل والمفيد، كما تطرق إلى موضوع مسرحة الأعمال الروائية، وقال إنّ اقتباس المسرح من الرواية ظاهرة صحية، لكن هذا لا يعني أنّها ظاهرة صحية، فالمفترض أن تكون هناك نصوص مكتوبة خصيصا لنية التقديم على خشبة المسرح.
- بداية، كيف وجدتم هذا التجانس الجميل بين الأدب وأب الفنون؟
هي علاقة عادية، لكن ينبغي أن تجد من يفعّلها ويقرّبها إلى الجمهور والقرّاء، وفي اعتقادي تجربة المهرجان الوطني للمسرح المحترف هذه السنة الذي حاول أن يفرد محورا للرواية والروائيين في ضيافة المهرجان، على انّ في السنوات الأخيرة وفي هذه الدورة، هناك العديد من النصوص الروائية التي اقتبست وتحوّلت إلى عروض فوق خشبة المسرح، إذن لا أعتقد أنّ هناك أزمة في النص المسرحي، ولكن أظنّ أنّ هذا التفاعل أمر عادي وطبيعي، والعديد من النصوص الروائية يمكن أن تتحوّل إلى عروض ركحية وبالتالي فالرواية ليست غريبة عن المسرح، والمسرح ليس بغريب عن الرواية، فالرواية سرد فوق الورق، والمسرح سرد وحكاية مجسّدة فوق خشبة المسرح.
الذي لفت نظري في هذه الدورة، العودة القوية للجمهور إلى المسرح، رغم تعدّد فضاءات العرض وقاعاته، إلاّ أنّ الجمهور في كلّ مرة يفاجئنا بالحضور القويّ سواء لمسرح الشارع الذي قدّم عروضا عديدة ومتنوّعة ومختلفة التجارب أو العروض داخل القاعات التي تتابع يوميا من طرف جمهور ذوّاق ومحترف يعرف كيف يتفاعل مع هذه العروض التي تسير، في اعتقادي، في سياق جميل ورائع، ومن أجمل اللحظات أن يعيش الإنسان حالة التفاعل بين الجمهور الذي يعود إلى مسرحه للاستمتاع بالفرجة والعروض المسرحية.
- تحدّثتم عن مسرحة الأعمال الروائية، وتابعتم عرضي “نساء كازانوفا” المقتبس عن نص واسيني الأعرج، و”صيف افريقي” عن نص لمحمد ديب، في اعتقادكم هل حقق أركان العمل المسرحي الناجح؟
حتى الآن، لاحظت أنّ العروض المسرحية التي عادت إلى الأعمال الروائية والاقتباس منها، كانت جيّدة ومتميّزة عن بقية العروض، وهذا لا يعني أنّها تستحق جوائز، ولكن أقول إنّها تجارب ناجحة، لأنّ التقييم يعود إلى لجنة التحكيم الأدرى بعملها، ولكن حتى الآن عرض “نساء كازانوفا” كان جميلا ومتماسكا بسينوغرافيا جميلة وثابتة وكلاسيكية تتناسب مع الإيقاع العام للشخصية المركزية كازانوفا. وكذلك الأمر مع عرض “صيف إفريقي” الذي كان ممتعا فيه فرجة وأداء مسرحي عال، وتوزيع ذكي للممثلين، وفي اعتقادي كان الجمهور مرتاحا لهذين العرضين المقتبسين من نصين روائيين.
اقتباس المسرح من الرواية ظاهرة صحية، لكن هذا لايعني أنّها ظاهرة صحية، فالمفترض أن تكون هناك نصوص مكتوبة خصيصا لنية التقديم على ركح المسرح.
- تشرفون على فضاء “الرواية في ضيافة المسرح”، كيف وجدتم إقبال قراء الرواية وجمهور الفن الرابع؟
هذا الهامش كان جميلا، وشخصيا تفاجأت بإقبال القرّاء على اقتناء الكتب محل البيع بالإهداء، حيث نفذت الكميات التي خصصت للعملية، صحيح أنّ هناك قرّاء نوعيون، لكن الاهم أنّ كلّ الكتب نفذت حتى وإن لم تكن بالعدد الضخم، وكان الروائيون سعداء بهذا التقييم والاهتمام من طرف القرّاء الذي اقتنوا الأعمال. وسعدت شخصيا بأن يحظى الروائيون بهذه العناية والعرفان من طرف القرّاء ومن قبل رجال المسرح بشكل عام، فمثلا أمس كان اللقاء مع الروائية عايدة خلدون التي عادة ما علاقتها بالجمهور خجولة، لكن هذه المرة قبلت الدعوة وكانت سعيدة جدا، وتفاجأت بالحضور ، حي ثلم تكن تدري أنّ لديها قرّاء من جمهور المسرح يقرأون لها ويتابعون أخبارها وأعمالها. وهي حتى وإن كانت غير معروفة إعلاميا، إلا أنّها توقّع عملها الخامس، وقطعت شوطا معتبرا.
لقد أردنا تقديم بعض الروائيين “غير المكرسين إعلاميا”، لأنّ المسرح بجمهوره العري، كنافذة خاصة، يمكن أن يزرع حالة من الجدوى والفرح الخاص لدى الكاتب، لأنّ هذا سيحفّزه على كتابة أعمال أخرى والاستمرارية، لأنّ المشكل الرئيسي الذي يواجه الكتّاب “غير المكرّسين” هو حالة الانقطاع عن الكتابة المنتظمة، وأنا متأكّد أنّ هذه التجربة كانت مفيدة للروائيين وللمهرجان، لنّه فتح مجموعة من النوافذ على الكثير من الفنون والأنواع الأخرى. وفضّلنا أن يكون البيع بالتوقيع للرواية فقط، خاصة وأنّ هناك ندوة لمناقشة موضوع “المسرح يستنجد بالرواية” وهو سؤال مهم.
- للأستاذ بوديبة علاقة متميّزة بالمسرح، ما سرّ ذلك؟
علاقتي بالمسرح قديمة جدا، ففي سنوات السبعينيات والثمانينيات، كنت مقيما بولاية سكيكدة التي كانت تفتقد غلى مسرح، فكلّما سمعت رفقة أصدقائي بإنتاج جدي لمسرح قسنطينة، إلا واستأجرنا سيارة للذهاب ومتابعة العرض ثمّ استئجار سيارة أخرى من جيوبنا “الفقيرة” للعودة إلى سكيكدة، وكلّنا سعادة بالمهمة.
وكتجربة شخصية، العرض الذي ظلّ راسخا في ذهني لسنوات وحفّزني على التعلّق بالمسرح هو عرض “الإنسان الطيب في سانت شوان” عن نص لبريشت، وكان أبطاله الرئيسيون ممثلون فقدهم الفن الجزائري في سن مبكرة، السيدة ياسمينة وابراهيم فيلالي وغيرهم، وشاهدت المسرحية في سكيكدة حيث قدّمت في مركز ثقافي متواضع، لكن الممثلين تكيّفوا مع الفضاء والقاعة وقدّموا عرضا رائعا، ولأنّ المسرحية كانت في جولة وطنية، طاردتها إلى قسنطينة وتابعت العرض لمرة ثانية، وللأسف عن عودة الفرقة من عرضهم بسيدي بلعباس نحو الجزائر العاصمة تعرّضوا لحاد مرور أليم أودى بحياة عدد من أعضائها، وبالفعل كانت السيدة ياسمينة في ذلك العرض متألقة جدا وأدّت دورا معقدا ومركّبا وأبدعت بشكل لا يمكن نسيانه، وعندما رجعت إلى الوراء قلت لعلّ السيدة ياسمينة كانت تودّع عالم المسرح وهي تقدّم عرضها الأخير لهذه الدنيا. أما راهن هذا الاهتمام، فإداري، حيث كلّفت بتسيير وإدارة المسرح الجهوي “عز الدين مجوبي” بعنابة لمدّة 4 سنوات، وكانت تجربة غنية، اقتربت خلالها من أب الفنون أكثر، وأثمرت حوالي 12 عملا مسرحيا.