إنتاج تعاونيّة السّـتار للإبداع المسرحيّ لولاية الوادي

“العدّ العكسيّ للخنجر” يدشّـن العروض خارج المنافسة

دشّنت تعاونيّة السّـتار للإبداع المسرحيّ من ولاية الوادي، العروض المسرحيّة خارج المنافسة للدّورة السّادسة عشر من المهرجان الثّقافيّ الوطنيّ للمسرح المحترف، بمونودرام “العدّ العكسيّ للخنجر” للمخرج نبيل مسعي، في قاعة الحاج عمر بالمسرح الوطنيّ الجزائريّ.

على خشبة سينوغرافيّتها لوحة شطرنج وبذلتان رسميّتان منزوعتا الأوسمة، وعلى أنغام موسيقى حزينة، أبدع الممثّل حذيفة طليبة في الجمع بين حالات نفسيّة تتنوّع بين الحزن والخوف والعظمة والخسارة والقوّة والجنون، بلوحات فنّيّة مترابطة داخل غرفة مغلقة في قصر فارغ، هرب منه كلّ الحرّاس والخدم والجنود، بعد أن ثار الشّعب ضدّ حاكمهم، وانقلبوا عليه.

بدأ المونودرام بالتّركيز على القائد، وهو يحمل هاتفه ويتأمّل السّمّاعة، ويشدّ عليها، في حالة عصبيّة، متحدّثا عن الحياة والقتل، ومناديا على حرّاسه وجنوده تارة، ومترجّلا وحيدا يستذكر كيف كان يعيش في قصره، تارة أخرى، مشيرا إلى قنبلة موقوتة تقابله في إحدى زوايا غرفته. وفي الوقت آنه، يحاول الاتّصال بخبير المتفجّرات لإبطال مفعول تلك القنبلة، متوسّلا ومترجّيا، لكن دون جدوى. ثمّ يشعل سيجارة ويتخيّل الجماهير أمامه، وهو يخاطبها، مناديا الحرّاس مرّة ثانية وثالثة ورابعة، دون ردّ، ليتيقّن أنّهم خذلوه وتركوه وحيدا، فيقترب من بذلتيه الرّسميّتين، ساردا كيف اتّصل به مساعدوه الخونة، وأبلغوه خبر عزله والانقلاب عليه، وكأنّه يتكلّم مع زوجته ويعلمها بما حدث له بعد أن كان شعبه يظهر له الحبّ، ويصفّق له احتراما وإجلالا، لينزع سرواله وقميصه ويتجرّد من ملابسه، ويرتدي بذلته الرّسميّة ويحمل خنجرا بيديه ويقاتل لوحده، مدافعا عن نفسه، في محاولة للنّجاة من الموت المحتوم، والفرار من شخص ما يحاول قتله، أملا بإعادة صياغة التاريخ.

وهنا يدخل القائد في حالة إحباط وجنون، يضع رأسه في دلو ماء، صارخا “أنا حيّ هنا ميّت هنا، أنا حيّ هنا ميّت هنا .. “، مخاطبا نفسه ومتحدّثا مع التّاريخ والخنجر والملابس والباب، والقنبلة، مرتعدا، خائفا، ووحيدا، باحثا عن منفذ للهرب، ومستذكرا كيف كان مثالا للخناجر والرّصاص، فيجثو على ركبتيه والعرق يتصبّب من وجهه الكئيب، ويتأسف لأنّه سيموت وحيدا، ويدفن في مقبرة مجهولة كقائد مهزوم ومنبوذ، بعد أن كان يظنّ أنّ موته سيكون بين حاشيته في قصره، وجنازته ستكون مهيبة، يحضرها شعبه، متسائلا كيف دخلت القنبلة إلى غرفته وقصره محاط بالجنود والحرّاس، لكن لم يتبقّ منهم أحد، لأنّ الجميع فرّ بجلده.

ليختتم العرض بجلوس القائد أرضا مرعوبا كالمجنون، نادما عن نهايته المشؤومة، دون أن تكون النّهاية واضحة إن انفجرت القنبلة أو أنّ ذاك القائد مات من شدّة اليأس والخوف والإحباط.

وفي السّياق، أوضح مخرج العرض المسرحيّ نبيل مسعي أنّ موضوع العرض يجعل الجمهور يظنّ أنّنا نتحدّث عن الحاكم، لكن المقصود هي النّفس البشريّة سواء كانت لفنّان أو لمواطن يرى نفسه زعيما، وفي الوقت ذاته يكون محاصرا بين أفكاره من منطق التّشاؤم، وهنا تكمن اللّعبة المسرحيّة في العرض والتّشويق بإسقاط شخصيّة القائد الإسكتلنديّ “ماكبث “، مشيرا إلى أنّه يندرج ضمن البسيكودراما التي تعالج حالة الإنسان الذي يفكّر كثيرا ويريد أن يغيّر، لكنّه يجد الأبواب مغلقة أمامه، وهو إنتاج جديد للتّعاونيّة سنة 2023، مدّته 30 دقيقة، عن نصّ للكاتب العراقيّ علي عبد النّبي الزّيدي، وسينوغرافيا وإضاءة أحمد لبيض، وحاصل على جائزة أحسن عرض متكامل في تونس.

ومن جانبه، أكّد الممثّل حذيفة طليبة أنّ العرض تضمّن استنزافا نفسيّا كبيرا، وجهدا مبذولا، في محاكاة لبعض الدّول والأمم في العالم العربيّ التي تعاني شعوبها من الحكّام الدّكتاتوريّين، وما يحدث لهم في أغلب الأحيان من انقلابات، معبرا عن تأثّره بالدّور وحرصه على أداء مختلف مراحل الحالة النّفسيّة التي تتطلّبها مختلف اللّوحات الفنّيّة، ومبديا سعادته واعتزازه بتفاعل الجمهور معه.

شارك المقال