الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني .. المدرسة النضالية

نظمت محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، اليوم السبت 24 ديسمبر2022، أولى ندواتها الفكرية والبحثية، حول تاريخ الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وتكريما لشخصية الفنان المجاهد طه العامري الذي حملت الدورة 15 اسمه.

وقال محمد يحياوي محافظ المهرجان، خلال إشرافه على انطلاق أولى الندوات الفكرية والأكاديمية المبرمجة في إطار الدورة ال 15  إن الهدف من هذه اللقاءات المتخصصة “هو التوثيق ورصد الشهادات والأعمال من أجل تسجيلها للأجيال الحالية والأجيال اللاحقة”. 

واستهل الباحث والأستاذ أحمد شنيقي، مداخلته بالقول إن تاريخ الجزائر لا يجب أن ينحصر بين تاريخي 1954-1962، ذلك أن الفنانين الذين التحقوا بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بدأوا مسيرتهم النضالية والمسرحية قبل 1958 وكانوا مناضلين في حركة انتصار الحريات الديمقراطية مثل محمد فراح الرازي أو جمعية العلماء المسلمين مثل رضا حوحو والحزب الشيوعي الجزائري مثل شباح المكي. 

ويرى شنيقي، أن الفنان المخضرم طه العامري، هو حامل لتاريخ المسرح الجزائري ويمكن اعتباره همزة الوصل بين مختلف المراحل النضالية التي عرفتها الجزائر.

 من جهته، قال الدكتور ابراهيم نوال، من معهد فنون العرض والسمعي البصري برج الكيفان، “إن الثورة الجزائرية منذ اندلاعها عرفت ديناميكية مميزة على مستويات كثيرة، خاصة بعد انعقاد مؤتمر الصومام 1956 الذي وجه نداء الى الفنانين يدعوهم للالتحاق بالثورة”. 

وأبرز نوال الدور “المحوري والأساسي” الذي لعبه الفقيد مصطفى كاتب حينما قام بإشراك مواهب فنية شابة من أمثال سيد علي كويرات ونورية ومصطفى قزدرلي وغيرهم، ومنحهم فرصة المشاركة في جولات فنية ومهرجانات إلى موسكو وبرلين. 

وأكد ابراهيم نوال أيضا، أن الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني “تشكلت في سرية تامة”، حيث أعطيت للفنانين تعليمات صارمة بالتكتم والتحفظ على نشاطهم أثناء التحضير للسفر نحو روما وجنيف للالتحاق بعدها بالعاصمة التونسية سنة 1958 وكان يومها عددهم 35 فنانا لا اقل ولا أكثر كما تبرزه الوثيقة الأرشيفية التي قدمها طه العامري إلى الباحثين والدارسين”. 

“إن مصطفى كاتب هو صاحب الفكرة والمنسق العام للفرقة الفنية إلى جانب أحمد وهبي الذي كان مديرا على الفرقة الموسيقية فيما كان المجاهد طه العامري إداريا ومسيرا ذو حنكة اكتسبها من تجربته بصفته عضوا بالمنظمة السرية”، يضيف نُوَال.

 كما ذكر المتحدث بأهمية الثلاثية المسرحية التي كتبها عبد الحليم رايس الذي كان مسؤولا عن البرمجة ومكلفا بتوفير النصوص التي ستشتغل عليها الفرقة، ومن خلال المسرحيات الثلاثة “أبناء القصبة” ثم “دم الأحرار” وأخيرا “الخالدون” التي عكست الفضاء الجغرافي الجزائري ومدى انتشار الوعي الثوري به، حتى أن طه العامري اعترف وقال إن مسرحيات عبد الحليم رايس “هي من منحت الحياة للفرقة الفنية التاريخية”. 

وعن مسرحية “نحو النور”، أكد الباحث في تاريخ الفرقة الفنية، أن مصطفى كاتب استلهم فكرتها من لوحة “غارنيكا” لبيكاسو الذي حينما أعاد رسم التراجيديا التاريخية ترك بقعة ضوء تسطع في قلب اللوحة: “ولدت الفكرة من تلك البقعة المنيرة … للقول إن الجزائر هي بلد زاخر بتراثه الثقافي وكبير وقد سافرت المسرحية الى موسكو وبغداد وبكين”. 

 لقد لعبت فرقة جبهة التحرير الوطني الفنية “دورا رياديا في مجال الدبلوماسية الثقافية”، يجزم ابراهيم نوال، مستدلا في قوله بتصريحات فقيدالدبلوماسية الجزائرية محمد يزيد ومحمد الصديق بن يحي.  قبل أن يضيف: “كانت هناك حاجة لتسليط الضوء على الثورة الجزائرية، وإبراز تفوقها الجميل في الميدان”. 

اعترافات طه العامري

 وبكثير من التواضع، استعاد الفنان المجاهد طه العامري بعض المواقف التي واكبت التحاقه بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وكيف استجاب لنداء مؤتمر الصومام الذي رسم استراتيجية تتطلع الى استعمال الفن كوسيلة لدعم الكفاح المسلح وتوعية الناس بعدالة القضية.

وقال العامري “كان الظرف سياسيا في البداية وكانت الأولوية للعمل المسلح ثم اتسعت النظرة بعدها بأهمية الثقافة في العمل الثوري..” وواصل ساردا: “آنذاك كنا نناضل في حزب الشعب الجزائري سرا قبل أن نخرج للعلن بمجرد التحاقنا بحركة انتصار الحريات الديمقراطية، كنا نقوم بمهامنا الوطنية وفقط”.

بقي مع فرقة الرازي محمد فراح التابعة لحركة الانتصار وقدم معها روايات /مسرحيات هامة منها “مونسيرا” (1949) بحضور إيمانويل روبلس، و”صلاح الدين الأيوبي” بمشاركة المرحوم عبد الرحمن عزيز”.

واعترف طه العامري أن سنوات العمل في 1947 لم تكن سهلة كما يتصور البعض “كنا نقدم مسرحية جديدة كل أسبوع وكان التدرب عليها عسيرا وشاقا”، وأردف “على عكس ما يردده بعض الباحثين والدارسين، فإننا لم نكن نقدم سكاتشات بل روايات / مسرحيات تصل مدتها الساعة والنصف أحيانا”.

انضم العامري إلى فرقة محي الدين بشطارزي عن قناعة وحب للفن الرابع، وتخلى عن منصبه من أجل أن يكون دائما في قلب العجلة الفنية، وهو الخيار الذي كلفه “معارضة” والده الذي سرعان ما استغرب هذا الخيار خاصة وأن تلك الفترة كانت تتميز بانتشار نظرة “دونية” إلى مهنة الممثل. ولتجنب أي إحراج لعائلته، اختار الفنان لنفسه اسما مستعارا “طه العامري”. “كنا نخضع إلى التكوين المستمر، سواء في الإخراج أو التمثيل في مسرحيات عالمية”، يقول العامري الذي ظل يجبر ذاكرته على تذكر تفاصيل وصوله إلى تونس في 1958 حيث بدأ يعمل مع الرفاق على مسرحية “نحو النور” التي تروي قصة شاب تعرض للتعذيب وفي عز الألم يحلم بوالدته وهي تخفف عنه عناء القهر والظلم فتذكره بأيام الصبا والأفراح العائلية، وتسافر به من منطقة إلى منطقة أخرى في الجزائر، ترافقها أغاني ولوحات ثرية. 

شارك المقال