علاقة الرواية بالمسرح.. حرية الاقتباس نحو لغة الفن الرابع

نظمت محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، الخميس 28 ديسمبر 2022، ندوة حول علاقة الرواية بالمسرح، تناول فيها المشاركون الحدود الفاصلة بين العالمين الإبداعيين وإمكانية مد جسور متينة بين السرد الروائي والسرد المسرحي شرط احترام المعايير الفنية والأدبية والتقنية أثناء عملية الاقتباس.

وأجاب المشاركون في الندوة على أسئلة مثل: ما حدود الاقتباس والاستلهام ؟ هل يجب على الكاتب المقتبس أن يتبع الخط الدرامي للروائي؟ كيف يمكن تجاوز اللغة الروائية إلى لغة المسرح التي هي أكثر شمولا؟ هل هناك أزمة نص في الجزائر ؟

وكان المخرج علي جبارة، جزء من المعادلة الإبداعية في عملية تحويل النص الأدبي إلى نص مسرحي، وهي تجربة يقول عنها: “أشعر أن أحسن الأدوار التي أثرت في مسيرتي هي عندما أديت في “المغارة المتفجرة” ليمينة مشاكرة و”اللاز” للطاهر وطار.. ذلك أن الاشتغال على الرواية يساهم في تحفيز الناس على القراءة و البحث عن النصوص”.

أما الروائي واسيني الأعرج، وعلى ضوء تجربة اقتباس رواية “نساء كازانوفا” من قبل مراد ملياني لصالح المسرح الجهوي بجاية، فيقول إنه “يشعر بالفرحة لأن المسرح أعطى الحياة للشخوص التي كانت مجرد أسماء ورقية”.

 ويؤكد بأن عند الاقتباس “تغيب الرواية” ويفسح المجال إلى فن آخر قائم بذاته، ويفسر ذلك بالقول إن “العوالم تختلف فالمشتغل على الاقتباس غير مجبر على استعادة كل شيء في الرواية لأنها ليست عملية استنساخ” في إشارة منه إلى أن المشاعر تظهر بشكل مختلف وجلي على المسرح “وعلى الكاتب أن لا يتعدى حدود الآخرين أي المقتبس أو المخرج لأنهم يملكون حق اختيار زاوية الرؤية التي تناسبهما”. 

كما امتد حديث الدكتور واسيني إلى الحديث عن النصوص المسرحية الجزائرية غير مكتوبة وقال: “أتساءل لماذا لم نقم لحد الآن بنشر كل نصوص المسرحية لعبد القادر علولة و لولد عبد الرحمن كاكي و غيرهما من الكتاب .. و ما عدا ثلاثية علولة مؤخرا إلا أن أعمالا أخرى غائبة مثل مسرحية القراب والصالحين “.

واقترح المتحدث، في هذا الباب، على إدارة المسرح الوطني الجزائري، تكوين لجنة تتبع النصوص والبحث عن الضائع منها وجمعها سواء كانت باللغة العامية أو العربية أو الفرنسية”، مؤكدا أنها مهمة ستجمع ذاكرة المسرح وتقدمه للأجيال القادمة سواء داخل أو خارج الجزائر.

وبخصوص عملية الاقتباس والنص الروائي، يرى واسيني أن العلاقة بينهما “ذاتية وليست مباشرة لأنها تحتاج إلى جهد المقتبس ثم المخرج الذي يقوم بعملية التحويل”. وهي أيضا علاقة “حاسمة” بين الرواية والنص المسرحي تمر عبر مراحل وهي “مهمة مضنية”.

وقد لقيت عديد الروايات الخاصة يواسيني الأعرج اهتمام الكتاب المسرحيين وحولت إلى أعمال منذ سنوات الـ 80 مع اقتباس “وقع الأحذية الخشنة” في ليبيا في إطار المسرح التجريبي، ثم أجزاء من رواية “وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر” في 1993 لناصر خلاف، ثم “حارسة الظلال” والتي اقتبسها حميد قوري بتسمية مختلفة هي “مزغنة” سنة 1995 وصولا إلى “مملكة الفراشة” في قطر ثم “رمادة 19” مع شوقي بوزيد و “امرأة من ورق” مع مراد سنوسي وأخيرا “نساء كازانوفا” التي ظل يشتغل عليها لمدة سنة كاملة مع مولاي ملياني والمخرج علي جبارة.

 مراد مولاي ملياني: مسرحة الرواية تبدأ بلحظة إعجاب

يقول المؤلف المسرحي مولاي ملياني عن نفسه إنه “عصامي” اعتمد على الممارسة المسرحية أولا قبل أن ينتقل إلى الاقتباس: “تعلمت قواعد الكتابة المسرحية من خلال الأعمال التي اشتعلت عليها والتي تضع المتلقي نصب الأعين”.

ويعترف ملياني أن أول دافع لاقتباس عمل روائي هي “لهفة قلب التي أشعر بها عند القراءة و لحظة الإعجاب التي تجعل الفكرة تقفز إليك وتتشكل في الذهن.. هذا هو أساس الاختيار وليس أبدا من منطلق اسم الروائي”.

 ولا يهتم ملياني بصفته ممارسا للمسرح، حسبه قوله، بالمصطلحات الأكاديمية على شاكلة التحويل أو الكتابة أو الاختزال وغيرها فيقول: “أزعم أنني قارئ جيد للروايات، وأهتم بالنقد وكل ما يقال حول هذا العمل وذاك. بعدها أضع مسافة بيني وبين النص الذي أعجبت به، حتى أعود إليه مجددا لأحسن تفكيكه.. و أمارس عملية الاختزال”.

إن ملياني وهو يكتب يفكر في مقولة عبد القادر علولة:  “العين توزن والأذن تشوف”، لكنه لا ينسى أن يخضع نصه المقتبس إلى فحص أهل الاختصاص لنقده وتسجيل ملاحظات التي يأخذها بعين الاعتبار، كما يبخل صلاحيات المخرج في تقديم وجهة نظره أيضا.

 لملياني أربعة تجارب في الاقتباس المسرحي أولها “سكورا” مع أمين الزاوي ثم “مازال..” لعبد الوهاب عيساوي و”العازب” لربيعة جلطي ثم “نساء كازانوفا” لواسيني الأعرج.

 سعيد بولمرقة: في “صيف إفريقي” اقتبست النص والسياق السوسيو ثقافي

تساهم المسرحية في التعريف بالأعمال الروائية وتؤدي مهمة الترويج للرواية، هكذا يقول الكاتب سعيد بولمرقة الذي اقتبس رواية صيف إفريقي لصالح المسرح الجهوي لقسنطينة. وقد بدأ العمل مع المخرج كريم بودشيش من منطلق أنه لن يكتفي فقط باقتباس قصة محمد ديب وإنما اقتباس كل الأجواء السوسيو ثقافية التي تبرز خصوصية البلد.

 وقال بولمرقة إنه قام باختزال عدد الشخوص، بالنظر إلى ضروريات الإنتاج، وقام بإضافة حكم وأمثال لخدمة النص المسرحي. ذلك أن طريقته في الاقتباس هي نوع من التحايل على النص الأصلي واستخراج أفكار تقترب من ما جاء في المتن الروائي. ويستعين بولمرقة بـ “خيال الجنون” وبعاطفته الجامحة ليكتب نصوصه، علما أنه اقتبس أعمال عالمية لموليير وطرطوف.

شارك المقال