“التافهون” لمسرح عنابة الجهوي: زيف الواقع والمواقع

تتبع جمهور غفير من الفنانين والشباب والعائلات أمسية السبت 31 ديسمبر 2022، الإنتاج الجديد للمسرح الجهوي عز الدين مجوبي لعنابة بعنوان “التافهون” نصا وإخراجا لأحمد رزاق.

وتعالج مسرحية “التافهون” ظاهرة تأثير العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي على فكر ومقومات وطبيعة العلاقات ما بين أفراد المجتمع، من خلال قصة رجل إطفاء ينتشر خبر وفاته في حريق بالغابة ويعلن شهيد الواجب ويقام له نصبا تذكاريا بالقرية.

وتعلن المسرحية عن موضوعها من أول وهلة، أشخاص يتجولون في العتمة أنظارهم مشدودة إلى شاشات الهواتف تمشي، تائهة منفصلة عن الواقع ومتصلة بواقع افتراضي تتبادل فيه الآراء والمواقف، تعارض وتحب وتفرح وتتوعد.

وبينما الناس منشغلة برقصها وهرجها ولغطها، يخبرهم أحد السكان بعودة “المهدي” رجل المطافئ (الممثل رمزي عاشور) إلى القرية بعد سنوات من الغياب بعدما ظن الجميع انه استشهد وهو يحاول إطفاء حريق في الغابة المجاورة.

يتصاعد القلق وتضيق المساحة على السكان ويزداد صراعهم، الزوجة السابقة لمهدي “بتول” التي اقترب طلعها وقد أجبرت على الزواج ثانية من إمام القرية “الشيخ مروان” (الممثل كمال زازا)، وابنته “فيروز” التي كانت أول من يقر بأن مهدي حي يرزق عكس ما يحاول الآخرين قوله، ورئيس البلدية (الممثل هاني محفوظ) الذي يفكر في مصيره السياسي بعد أن استثمر في صورة الشهيد.

وحملت الأزياء والأكسيسوارات كثير من الدلالات الرمزية (عمامة الإمام، طربوش رئيس البلدية، البدلة النظامية، القبعات والأحذية..) التي قدمت لوحدها رسائل تتعلق بمواضيع باتت مطروحة في كل المجتمعات من باب علاقة السياسة بالدين وتزييف التاريخ وطمس الحقيقة ومحاولة محو ذاكرة الشعوب واستبدالها بأخرى وهمية، ناهيك عن فكرة المسخ الذي أصبح عليها العالم والتي ترجمها المخرج في هيكل حيوان وحيد القرن الذي اعتبر ظهوره مفاجأة للجمهور وتركهم يفكرون في إقحامه بذلك الشكل وسط الجدل الإنساني القائم.

فقد بدا جليا الذكاء المسرحي للمخرج أحمد رزاق الذي استطاع من خلال ديكور عملي تشكيل مشاهد متعددة عبر أماكن مختلفة، وبسلاسة وتنسيق لم يشعر به المتفرج، تم الانتقال بمرونة من وسط القرية إلى مقبرة الشهداء ثم إلى مكتب رئيس البلدية ثم إلى الملهى الليلي وبعدها إلى المسجد قبل أن يغرق الجميع في هواتفهم النقالة حيث حياة الافتراضية الزائفة ومنصات تفاعلهم الاجتماعي.

وشكلت الخلفية الموسيقية دعامة أساسية في هذا العمل، تشبه الموسيقى التصويرية لتعميق المشهد ناهيك عن الاستعانة بصوت السوبرانو أنيسة حجرسي ولوحات كوريغرافية من أداء أمين كينوار وسناء شامي، التي كانت بمثابة فواصل يتنفس بها العرض قبل العودة إلى حلبة الصراع بين سكان القرية.

شارك المقال